جديد المركز  |
الابحاث والدراسات
أغسطس
15
2015

تقويم مؤسسات التعليم المستمر فى ضوء موجهات التخطيط الإستراتيجى

نسخة مبسطة للطباعة
03:21 م
كتب : أ.د. عبدالعزيز عبدالله السنبل

إن النظرة الفاحصة لعالم اليوم تنبئ أن المجتمعات المعاصرة هى مجتمعات تقلصت فيها حواجز المكان والزمان وقربت فيها المسافات، وتزايدت حدة تأثرها وتأثيرها ببعضها البعض، حتى كادت تصبح كالقرية الإلكترونية .. ويحكم المجتمعات عولمة كاسحة فى الاقتصاد والسياسة والثقافة، وحدة التغيير فيها متسارعة بطريقة غير معهودة..
والمعرفة فيها تتزايد بمتواليات هندسية، فيها ما هو خير الإنسانية، وفيها ما هو شر لها، وإن كانت طبيعة المعرفة فى الأصل الحياد، بيد أن الإنسان يوظفها ويوجهها الجهة التى يبتغيها. فى هذه المجتمعات المعولمة، أصبح التعلم وإعادة التعلم والتدريب وإعادة التدريب، سمة أساسية من سمات العصر وجزءاً أساسياً فى حياة الشعوب خاصة المتقدمة، ليس ترفاً بل مطلباً أساسياً لمواجهة التحديات التى تواجه الإنسانية فى سوق العمل والسياسة وتغيراتها، والثقافة وتطورها، والاقتصاد ومتطلباته (السنبل، 2001، 8).
وفى الفكر العالمى المعاصر، لم تعد المدرسة هى المؤسسة الوحيدة التى يتعلم فيها الأفراد، بل أصبح المجتمع بأسره وبكل مؤسساته وشبكاته عبارة عن مدرسة كبرى للتعلم. والتعلم المدرسى لم تعد وظيفته مجرد نقل التراث والحفظ والتلقين، بل أصبحت رسالته إكساب الدارسين مهارات التعلم الذاتى، والقيم والمهارات التى تسهم فى تحسين نوعية الحياة، وإكساب الدارسين مهارات التكيف وإعادة التكيف مع المتغيرات المتسارعة وحل المشكلات وقيم الحوار والتعايش والتسامح.
  إن نموذج التربية المستمرة كإطار عام مرن يستدعى قيماً إنسانية وبيداغوجية تكاد تكون عالمية يمكن أن يوظف توظيفا حيوياً لتجويد وترقية الأنظمة التربوية العربية لتواكب معطيات التجربة الإنسانية، ولتعزيز مقومات الإنتاج وتفعيل الاقتصاد، ولتحقيق مبدأ ديمقراطية التربية، ولتقوية المنافسة فى ظل تيارات العولمة الثقافية والاقتصادية الكاسحة، ولتحسين مستوى نوعية الحياة فى المجتمعات العربية، ولتهيئة الفرص أمام الأفراد لتحقيق ذواتهم والمساهمة فى العطاء والبناء فى مجتمع متغير.
إن هذا المفهوم والنموذج الذى يدعو للتكامل والتعاون بين أنظمة التعليم النظامى وغير النظامى والعرضى، امتد واتسع فى نطاقه ومداه، واتسع أيضاً فى محتواه ومضمونه وأهدافه. فغدا يشمل ميادين تنتسب إلى ميادين التنمية الشاملة للمجتمع وإلى القيم الإنسانية الأساسية كالتربية السياسية، والكفاح من أجل تقدم المجتمع وكتعليم التقنيات الزراعية والصناعية والصحية والمهنية بوجه عام، والصحة الإنجابية، وإيقاظ الوعى السياسى والدربة على ما يتصل بالتربية المدنية، وتكوين روح المواطنة وتوفير مشاركة المجتمع فى شتى شئونه، وغرس روح الديمقراطية وحقوق الإنسان، وإشاعة روح التفاهم والتعاون العالمى حتى يكاد يحول المجتمع كله إلى مدارس بلا جدران، وإلى مجتمع متعلم ومعلم فى آن واحد  وغدا هدفه الأساسى السعى إلى إعداد الأفراد للعمل من أجل بيئتهم ومجتمعهم، ومن أجل الإنسانية جمعاء، والعمل على صياغة جديدة وفق هذا المطلب (عبدالدائم، 1993، 107)، وفق ذلك تدعو التربية المستمرة لتمكين المجتمعات والأفراد من مواجهة التغييرات المتسارعة التى هى سمة من سمات هذا العصر.
إن العصر الذى نعيشه ملىء بالتحديات التى تواجه الإنسان كل يوم، فكل يوم تظهر على مسرح الحياة معطيات جديدة تحتاج إلى خبرات جديدة وأفكار جديدة ومهارات جديدة وآليات جديدة للتعامل معها بنجاح، أى أنها تحتاج إلى إنسان مبدع، ومبتكر، بصيرته نافذة، قادر على تكييف بيئته الطبيعية والاجتماعية، وفق القيم والأهداف المرغوبة، وليس التكيف معها فقط. ولا يتحقق هذا دون تربية تواكب متطلبات العصر، تواجه تحدياته، تربية تكون نقطة الانطلاق الأساسية لتحسين نوعية الحياة، ومساعدة الأفراد والجماعات على تحقيق الأهداف التنموية للمجتمع، تربية بشقيها النظامى وغير النظامي تتوافر لجميع الأفراد، بصرف النظر عن كلفتها وعائدها الاقتصادى، تربية لكل من يحتاجها ويريدها، وفى أى وقت يحتاج إليها فيه، وفى أى مكان يعيش فيه، وبالطرق التى تتلاءم مع كل ما يحتاج لتحقيق النجاح والسيطرة على المعرفة التى تؤهله للاستفادة مما تعلمه والاستمرار فى هذا حتى نهاية حياته. (السنبل، 2002).
إن التربية المستمرة وحدها كفيلة بخلق مجتمعات تتحرك وفق هذه المعطيات والتصورات، وبدون الأخذ بها ستظل التربية راكدة، كلاسيكية، قاصرة عن الأخذ والعطاء مع متطلبات التغيير والتحديث وروح العصر وجوهره. ومهما يكن من أمر، فإن مفهوم التربية المستمرة الذى نتحدث عنه كرؤية فلسفية تربوية، يرتجى منه إحداث قفزات نوعية لتطوير التربية وتجويدها، لم يحظ بكثير من العناية فى أدبيات التربية العربية، إذ أن نصيبها لا يتجاوز الإشارات العابرة هنا وهناك دون التوقف المتعمق الجاد لبحث هذه الرؤية فى جوانبها المتعددة. وعلى ذلك اتصف المفهوم بالضبابية، وعدم الوضوح مما أدى إلى الخلط الكبير بين هذا المفهوم ذى الرؤية الموسعة، والمفاهيم الأخرى التى يشكل البعض منها جزءاً محدوداً من منظومته مثل مفاهيم تعليم الكبار، ومحو الأمية، والتعليم الموازى، والتعليم عن بعد، والتعليم المتجدد وغيرها الكثير. ولهذا السبب ظلت التربية المستمرة فى كثير من المجتمعات النامية مجرد لفظة تذكر وتمجد، وأحياناً برامج تنفذ، دون أن ينظر إليها على المستوى الفكرى والتشريعى على أنها رؤية تضبط العمل، والتحرك التربوى ويخطط لها تخطيطاً عقلانياً كجزء لا يتجزأ من المنظومة التنموية.
مشكلة الدراسة
تبين الدراسات والبحوث أن للتعليم المستمر مدى الحياة الدور الأكبر فى التحول للاقتصاد المعرفى، حيث تشير إلى أن الأخذ بمبدأ التعليم المستمر مدى الحياة هو أهم مبدأ من أجل التحول للاقتصاد المعرفى (القيسى، 2011، أمجدل وهوارى، 2005، وجمعة، 2010) والواضح أن مشاريع التحول لاقتصاد المعرفة فى الدول المتقدمة أخذت بمبدأ التعليم المستمر كالمشروع الأمريكى والكندى واليابانى (الحمود، 2011). وتؤكد كل هذه الشواهد على أهمية التعليم المستمر فى تحقيق متطلبات الانتقال للاقتصاد المعرفى لما يتميز به هذا النوع من التعليم من مميزات تجعله النمط التعليمى الأنسب لهذه الآلية.
إن هذه المكانة المحورية للتربية المستمرة فى حياة شعوب العالم بشكل عام وشعوب الوطن العربى بشكل خاص تستلزم ضمن ما تستلزم إيلاء أهمية خاصة بالتخطيط الإستراتيجى لهذه البرامج والمشروعات، وإيلاء عناية خاصة لتقويمها بشكل دورى ومستمر؛ حتى تحقق هذه البرامج الأهداف والآمال المعقودة عليها وما لم تبادر الدول والمؤسسات إلى الأخذ بالتخطيط والتقويم الإستراتيجى؛ فإن إشكاليات جمة وتحديات ضخمة ربما تؤدى إلى عرقلة هذه المشروعات، وإلى خروجها عن إطارها وأهدافها ورسالتها التى أنشئت من أجلها. وتتمحور هذه الدراسة حول هذه الموضوعات حتى يتسنى للمسئولين عن مؤسسات التعليم المستمر الأخذ بها والإفادة منها.
أهداف الدراسة:
تهدف هذه الدراسة إلى تحقيق الأمور التالية:
1- التعرف على واقع مؤسسات التعليم المستمر فى الدول العربية.
2- تحديد أنماط وأدوات وأساليب التخطيط والتقويم الإستراتيجى لمؤسسات التعليم المستمر فى الوطن العربى.
3- تحديد ملامح الإستراتيجية العربية للأخذ بموجهات التخطيط الإستراتيجى فى مؤسسات التعليم المستمر.
أهمية الدراسة:
تلقى هذه الدراسة الضوء على مسألة شبه غائبه فى كثير من المؤسسات التربوية العربية ألا وهى مسألة التخطيط والتقويم الإستراتيجى. فالأفكار والرؤى المطروحة فى هذه الدراسة يمكن أن تعين المسئولين والمخططين للاستفادة من هذه الأفكار لتطوير مؤسساتهم والحفاظ عليها وتنميتها من خلال توظيف الرؤى الإستراتيجية المطروحة. إن كثيراً من المال والجهد والوقت يمكن أن يتحقق عندما تلتفت المؤسسات لمتطلبات وموجهات التخطيط الإستراتيجى.
منهجية الدراسة:
الدراسة الحالية وصفية تحليلية تصف الظواهر والواقع كما هو موجود. وتستند فى معظمها على خبرة وتجارب الباحث كخبير فى الميدان وتعتمد على الوثائق الرسمية فى طرح الرؤى والتصورات. ورغم أنها دراسة وثائقية فى المقام الأول إلا أن الجانب التحليلى هو توجه منهجى أساسى فى هذه الدراسة.
تنظيم الدراسة:
انتظمت الدراسة فى أجزاء ثلاثة رئيسية. اشتمل الجزء الأول منها على المقدمة وإشكالية الدراسة وأهدافها ومنهجيتها ومصطلحاتها، ووضعت هذه الأجزاء الدراسة فى سياقها التنظيمى وبلورة الأفكار الرئيسية التى يستهدفها البحث.
واشتمل الجزء الثانى على الإطار النظرى الذى ناقش واقع مؤسسات التعليم المستمر فى الوطن العربى، وتقويم هذه المؤسسات والتخطيط الإستراتيجى ومنهجية تقويم الأداء المؤسسى، والأفكار والرؤى الواردة فى هذا الجزء تحقق متطلبات الهدف الأول من الدراسة.
ويتحدث الجزء الثانى من الدراسة عن النماذج والمنهجيات المستحدثة لتقويم أداء مؤسسات التعليم المستمر، والأفكار فى هذا الجزء تلبى تحقيق تساؤلات الهدف الثانى. والجزء الأخير من الدراسة يتحدث عن الملامح الإستراتيجية للأخذ بموجهات التخطيط والتقويم الإستراتيجى لمؤسسات التعليم المستمر. ويناسب هذا الجزء متطلبات الهدف الثالث من الدراسة.
مصطلحات الدراسة:
التعليم المستمر: عرفت اللجنة الاستشارية للمجلس الأوربى التعليم المستمر بأنه "كل الفرص التربوية المتوافرة للإنسان من طفولته المبكرة حتى شيخوخته، كما يعنى التعليم المستمر نظاماً متكاملاً ومنسقاً لكل فرد فى ضوء استعداده وإمكانياته، ويعنى التعليم المستمر أيضاً تمكين كل فرد فى المجتمع من تطوير شخصيته خلال سنوات حياته عن طريق نشاطات العمل والترويح المتوافرة لديه (عبدالجواد ، 1983، 21).
مؤسسات التعليم المستمر: مؤسسات التعليم المستمر مؤسسات متعددة فى وظائفها واختصاصاتها، ولكنها جميعاً مهتمة بتنمية الموارد البشرية فى المقام الأول، ومن بين هذه المؤسسات (الجامعات الإلكترونية والمفتوحة ومؤسسات ومراكز التعليم عن بعد ومراكز خدمة المجتمع والتعليم المستمر، وإدارات تعليم الكبار والتعليم الليلى المسائى، وأقسام تعليم الكبار، والتعليم المستمر فى الجامعات والجمعيات الخيرية والنسوية، ومراكز ومؤسسات التدريب أثناء الخدمة فى القطاعين العام والخاص، ومؤسسات المجتمع المدنى المهتمة بالتدريب والتعليم، والمنظمات المهنية المعنية بالتعليم المستمر، ومراكز البحوث الخاصة بتعليم الكبار وغيرها).
التخطيط الإستراتيجى: منهج منظم يستشرف آفاق المستقبليات بتشخيص الإمكانات المتاحة والمتوقعة وتصميم الإستراتيجيات البديلة واتخاذ قرارات عقلانية بشأن تنفيذها ومتابعة هذا التنفيذ (زاهر، 1993، 7).
الإطار النظرى للدراسة
أولاً: واقع مؤسسات التعليم المستمر فى الوطن العربى:
التعليم المستمر مظلة فضفاضة تتنوع طبيعة مؤسساتها والمستفيدين من خدماتها، ولا يمكن بطبيعة الحال حصر جميع مكوناتها ومنظوماتها. وتُعد الجامعات المفتوحة والافتراضية والإلكترونية من أبرز المؤسسات العاملة فى هذا الإطار وتكاد تكون هناك نماذج لهذه الصيغ فى جميع الدول العربية باستثناء الدول العربية ذات الأوضاع الاستثنائية الخاصة كالصومال وجيبوتى وموريتانيا وجزر القمر. لقد مر ردح من الزمن والدول العربية ممثلة بوزارات التعليم العالى تعارض البدء فى إنشاء هذا النوع من الجامعات، ولكن تزايد الطلب الاجتماعى على التعليم العالى وعدم قدرة الدول على تلبية هذه الضغوطات جعلت وزارات التعليم العالى تفكر جدياً باستخدام هذه التقنيات والأساليب الحديثة لتلبية هذه المتطلبات. إن إشكالية هذه المؤسسات، أى مؤسسات التعليم المفتوح، تكمن فى عدم قبول الشهادات الممنوحة لخريجيها، وبالتالى صعوبة وجود مؤسسات تقبلهم للتوظيف إلا فى القطاع الخاص، حيث المرونة أكبر والاعتماد على الكفاءة والمهارات دون الالتفات المطلق على الشهادات.
ومن أبرز صيغ التعليم المستمر فى الوطن العربى خاصة فى المشرق العربى، ودول الخليج صيغة مراكز خدمة المجتمع والتعليم المستمر ذلك النموذج المستمد من التجربة الأمريكية، وقد يكون من البديهى أن نؤكد بأن حلقات التعليم الابتدائية والمتوسطة والثانوية، والتعليم العالى هى جزء لا يتجزأ من منظومة التعليم المستمر مدى الحياة، إذ أن هذه المنظومات هى المفتاح والبوابة الرئيسية لولوج مجتمع التعليم والمعرفة من أوسع أبوابه. فلا يمكن إذن أن نفهم أو نتفهم مفهوم التعليم المستمر بمنأى عن دمج مفهوم التعليم النظامى والعالى والفنى والمهنى والدراسات العليا، والتدريب فى أثناء الخدمة والتعلم الذاتى، وبرامج التنمية المهنية التى يقدمها القطاع الخاص والحكومى، بمنأى عن هذه المنظومة التى تشمل حياة الأفراد من المهد إلى اللحد.
وتواجه التربية المستمرة عدة تحديات فى إطار تطبيقها فى العالم العربى، ومن أبرز تحدياتها ضمور أو غياب التشريعات المنظمة لهذه الفلسفة، وعدم وضوح الرؤى والتصورات الخاصة بهذه المسألة، وغياب التنسيق بين مؤسسات التعليم عن بعد، وندرة المتخصصين والمؤهلين العاملين فى الميدان، وغياب التعاون العربى المشترك.
ثانياً: تقويم مؤسسات التعليم المستمر.
يستهدف التقويم إصدار أحكام على كفاءة وجوده المؤسسة التعليمية وكفاءة منظوماتها الأدائية والإدارية والتدريبية والتجهيزية والفنية والمناهجية والتعاملية. فكلما تميزت كل منظومة من هذه المنظومات بالجودة والتميز كلما زادت كفاءة المؤسسة، وبالتالى قدرتها على تحقيق أهدافها. ويرتبط بقياس الأداء عدة مفاهيم أساسية من بينها مفهوم المساءلة التربوية والتفتيش والمراقبة وجودة الأداء، وتعدد أنماط التقويم التربوى بالذات، والمتأثر أيضاً بالتجربة الأوربية، حيث تنظر الجامعات إلى هذه المراكز على أنها الذراع الرئيسى الذى تمتد به إلى خدمة المجتمع. ومن خلال هذه المراكز تقدم الجامعات برامج تثقيفية وتوعوية وتدريبية فى كافة مجالات المعرفة، ويشارك فى تقديم هذه البرامج مدفوعة الأجر أو غير مدفوعة الأجر أساتذة الجامعات والمحاضرون. وتلاقى هذه البرامج قبولاً من المجتمعات إذ أن البرامج فى الغالب تلامس الاحتياجات الحقيقة للمواطنين. فالجامعات السعودية، على سبيل المثال تضم مراكز لخدمة المجتمع والتعليم المستمر فى كل جامعة. وترصد لهذه المراكز موازنات مقدرة إيماناً من الجامعات أن الخدمات التى تؤديها هذه المراكز تمثل وظيفة ورسالة أساسية من وظائف الجامعات.
ومن برامج التعليم المستمر التى تقدمها الجامعات برامج التعليم الموازى المسائى، وبرامج الانتساب الموجهة، والتعليم عن بعد، وهذه البرامج وفرت فرصاً للتعليم لمئات الآلاف من المواطنين لم تكن لتتوافر لولا استخدام هذه الطرائق الحضارية المستحدثة فى التعليم. وتشمل برامج تعليم الكبار الموجهة للأميين وللدارسين فى المدارس المتوسطة والثانوية الليلية، وبرامج التوعية والتثقيف والتنمية الاجتماعية والتوعية الفلاحية والتربية الإعلامية، وتطوير المرأة، وجميعها برامج تنتظم فى الدائرة الموسعة للتعليم المستمر التى تستهدف تنمية الإنسان وتوعيته ودمجه فى المنظومة التنموية الشاملة.
ويشمل تقويم هذه البرامج أنواعاً عدة من بينها التقويم البنائى فى مقابل التقويم الختامى، والتقويم الشامل فى مقابل التقويم التحليلى، والتقويم الرسمى فى مقابل التقويم غير الرسمى، والتقويم المقارن فى مقابل التقويم غير المقارن، والتقويم الكمى فى مقابل التقويم الكيفى، والتقويم الداخلى فى مقابل التقويم الخارجى، والتقويم بالأهداف مقابل التقويم غير المرتبط بالأهداف، والتقويم المكبر فى مقابل التقويم المصغر، والتقويم المؤسسى فى مقابل تقويم الأفراد (علام، 2003، 12-24).
إن المتابع للتجربة العالمية فى إدارة مؤسسات التعليم المستمر يدرك بأن مسألة التقويم والمراجعة المستمرة تعد مسألة ضرورية لاعتبارات سياسية ومهنية وثقافية. فمكانة المؤسسة والموازنات الممنوحة لها تعتمد إلى حد كبير على نتائج التقويم التى تقوم بها المؤسسات المعنية والمصرح لها بمزاولة هذه المسئولية. وتنتشر مؤسسات مهنية وظيفتها التحكيم والتقويم والاعتماد، وهى مؤسسات مستقلة مالياً وإدارياً وتتخذ قراراتها بصورة موضوعية ونزيهة. وبدأت كثير من المؤسسات التربوية فى الوطن العربى الاعتماد على هذه المؤسسات لاعتماد برامجها. وتستند هذه المؤسسات فى مزاولة أعمالها على معايير وضوابط ومحكات متعارف بشأنها وتحرص المؤسسات على مراجعة برامجها واعتمادها من قبل هذه الهيئات. وبدأت كثير من الدول العربية تأسيس هيئات وطنية يمكن الاستفادة منها فى اعتماد برامجها سواء تلك الخاصة ببرامج التعليم المستمر والتعليم العالى أو كلاهما.
ثالثاً: التخطيط الإستراتيجى:
عرف لاند بلوم  Land Bloom  التخطيط الإستراتيجى بأنه "ذلك النوع من التخطيط المستقبلى الذى يراعى ما يحيط بالمنظمات والمؤسسات المختلفة من قوى وعوامل خارجية باعتبارها لها تأثير كبير فى التصور المستقبلى، وكذلك بيئتها الداخلية، ومالها من تأثير أيضا على هذا الشعور" (Dborah .A.& JENNINGSL 1980) وهناك من يُعرّف التخطيط الإستراتيجى بأنه العملية التى تتصور بها المنظمة أو المؤسسة مستقبلها فتصنع الإجراءات والعمليات الفردية لبلوغ ذلك المستقبل (عبدالرازق، 1994، 99) والتخطيط الإستراتيجى منهج منظم يستشرف آفاق التنظيمات التربوية والمحتملة والممكنة، وتستعد لمواجهتها بتشخيص الإمكانيات المتاحة والمتوقعة وتنظيم الإستراتيجيات البديلة، واتخاذ قرارات عقلانية بشأن تطبيقها (زاهر، 1993، 113).
وتؤكد موجهات التخطيط الإستراتيجى على أهمية تحليل البيئة الداخلية والخارجية والعوامل المؤثرة فى كل منهما خاصة العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية والتكنولوجية، كما تؤكد موجهات التخطيط الإستراتيجى على دراسة جوانب القوة والضعف للبيئة الداخلية والخارجية للمؤسسة، وكذلك دراسة الفرص والتهديدات التى يمكن أن تعيق وترشد فى بناء تصور مستقبلى واقعى ومدروس للمؤسسة أيا كانت.
فالتخطيط الإستراتيجى لابد أن ينطلق من رؤية ورسالة وتطلعات واقعية مدروسة ومتناسبة مع القدرات والإمكانيات للمؤسسة، وأن يتولى التخطيط فريق عمل جاد ومتعمق ومتنوع الخبرات، وأن تتم استشارات موسعة للمعنيين الأساسيين والفاعلين الرئيسيين فى المؤسسة والاستعانة بمستشارين داخليين أو خارجيين.
رابعاً: تقويم الأداء المؤسسى:
يعتبر الأداء المؤسسى هو المنظومة المتكاملة لنتائج أعمال المنظمة فى ضوء تفاعلها مع عناصر بيئتها الداخلية والخارجية، وهو محصلة لكل من أداء الأفراد فى وحداتهم التنظيمية، وأداء الوحدات التنظيمية فى إطار السياسات العامة للمنظمة، وأخيراً أداء المؤسسة ضمن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية .. ونظراً لوجود العديد من العوامل الخارجة عن قدرة المنظمة وتؤثر فى أدائها أصبح من الضرورى أن يتم تقويم الأداء المؤسسى مع الأخذ فى الاعتبار العوامل الداخلية والخارجية المؤثرة فيها، وهو ما يميز تقويم الأداء المؤسسى عن تقويم الأداء بالأسلوب التقليدى (عايض، 1429، 49).
وتنتظم إجراءات تقويم الأداء المؤسسى فى أربعة خطوات أساسية أولها إجراء التقويم الذاتى للمؤسسة، وتقديم تقويم حول التقويم الذاتى، وزيارة فريق التقويم الخارجى للمنشأة، وآخرها تقديم التقرير النهائى للفريق الزائر وإصدار الحكم الخاص بالتقويم والمقتراحات والتوصية المتعلقة بتطوير أداء المؤسسة. وتستلزم مسألة إجراء التقويم المؤسسى وجود عدد من المعايير والمؤشرات التى يستند إليها عند الحكم على الأداء، وهذه المؤشرات والمعايير تختلف من هيئة تحكيمية إلى أخرى، وإن كانت تتقاطع جميعها فى بعض المحاور وإن اختلفت المسميات. ولعل من أهم المؤشرات والمعايير التى يستند إليها فى الحكم على أداء المؤسسات هى قياس قدرة المؤسسة على الاستمرار، وقياس قدرة المؤسسة على النمو (أبوالوفا، 2003) ومؤشرات السيولة الربحية (عبدالفتاح، 2001) ومؤشرات ضبط الجودة والتميز والتنافسية والإبداع والكفاءة الإدارية وتوظيف الثقافة، والارتباط بسوق العمل، وكفاءة تحقيق متطلبات مجتمع المعرفة.
النماذج والمنهجيات المستحدثة لتقويم أداء المؤسسات:
لقد تجاوز العالم بأسرة المنهجيات والأساليب التقليدية والمبسطة لتقويم أداء المؤسسات: فمرحلة التقويم المبنى على الاجتهادات الشخصية والانطباعات الذاتية والتقويم المبنى على استطلاعات الرأى والإحصائيات المبسطة مرحلة تجاوزها التاريخ، وحلت محلها نماذج ومنهجيات أكثر دقة وصرامة وواقعية، وأكثر تعقيداً فى إجراءاتها وأكثر واقعية فى أطروحاتها ورؤاها المستقبلية. وسوف يتعرض الباحث فى الصفحات القادمة إلى خمسة نماذج من النماذج الأكثر شيوعاً، والتى يمكن لمؤسسات التعليم المستمر بأشكالها المختلفة الاستفادة منها ومن موجهاتها.
أولاً: نماذج ضبط الجودة النوعية:
تزخر أدبيات الجودة النوعية بعدد من النماذج النظرية الأساسية التى يمكن الاسترشاد والاستئناس بها لتطوير أنظمة الجودة النوعية فى مؤسسات التعليم المستمر. صحيح أن بعض هذه النماذج صممت وطورت أساساً لتطوير أنظمة الجودة فى مؤسسات التعليم النظامى أو الجامعى، بيد أن القواسم المشتركة المتعددة بين هذه الأنظمة وأنظمة التعليم المستمر يجعل هذه النماذج قابلة للتطبيق بعد إجراء بعض عمليات التغيير والتحوير لتناسب طبيعة المؤسسات التربوية. ونعرض فيما يلى لبعض هذه النماذج:
1- نموذج بالدرج: ففى إطار اهتمامات الولايات المتحدة بمسألة الامتياز والتميز فى التعليم عمدت إلى تكليف علماء بارزين للنظر فى هذه المسألة. ولعل أبرز هذه المجهودات ما قام به كل من ديمنج وجوران وكروسبى على حدة، حيث طور كل منهم مجموعة من العناصر المؤدية إلى الجودة والتميز، ومن ثم قام بالدرج بوضع هذه العناصر فى إطار موحد لتقييم إدارة الجودة النوعية. ويعتمد نظام بالدرج لضبط جودة التعليم على مجموعة من إحدى عشرة قيمة أساسية، والتى توفر أساساً للتطوير والتكامل مكونة من ثمانية وعشرين معياراً ثانوياً (نوفل، 1999، 26) وهذه الإحدى عشرة قيمة هى (تعليم متمحور حول التعليم، دور القيادة فى التطوير، التطوير المستمر والتعليم المؤسسى، مساهمة هيئة التدريس، المساهمة الجماعية فى التطوير، تصميم الجودة ومنع الأخطاء، الإدارة بالحقائق، النظرة المستقبلية، مسئولية المجتمع، الاستجابة السريعة للمتغيرات، الاهتمام بالنتائج، ومن بين أهم المقاييس المعمول بها دولياً لقياس الجودة النوعية فى التعليم يأتى مقياس الجودة (Iso 9000) الذى يتطابق مع المعيار البريطانى (Bs 5750) والمعيار الأوربى (En3 9000) والمعيار الأمريكى (Q 90)، حيث أن هذه المسميات والمعايير تعبر عن مضمون واحد هو معيار نظام الجودة فى النظام أو المؤسسة أيا كانت (Karpetoric, 1998, 203). وتتضمن جودة الإنتاج فى نظام (Iso 9000) والأنظمة المشابهة له فى عدد من المحاور، وهى تطوير جودة المنتجات وتطوير جودة العمليات وثقة العاملين فى نظام الإنتاج وتحقيق متطلبات جودة نظام الإنتاج. ويتضمن مقياس الأيزو من مجموعة من المعايير والمحكات الكمية التى بعد تطبيقها يمكن الحكم على مستوى الجودة فى المؤسسة.
ويعد مقياس الآيزو من أكثر نماذج الجودة شيوعاً فى الاستخدام بين المؤسسات التعليمية فى الدول العربية ويأخذ البعض أن هذا النموذج بدأ يأخذ بالنزعة التجارية والربحية خاصة فى تعاملاتهم مع مؤسسات الدول النامية.
2- ومن النماذج الرائدة الممكن الاسترشاد بها فى ضبط الجودة النوعية، نموذج إرفن. حيث يقترح هذا النموذج أبعادا أساسية لتطبيق إستراتيجيات إدارة النوعية (Irvin, 1995) ويركز النموذج على خمسة أبعاد أساسية، أولها مسألة الضبط الخارجى والداخلى الرامى إلى التغيير، وضرورة التحرك فى ضوئه لئلا تتقادم وضعية المؤسسة وتتجاوزها الأحداث، وثانيها ضرورة التزام القيادة فى الدفع إلى الأمام والتغيير لحفظ الجودة النوعية وتنفيذها. وثالثها البحث والتفكير المستمر فى الخيارات الإستراتيجية سواء قصدت المؤسسة إحراز تحسين على مستوى المؤسسة كلها أو هدفت لتحقيق التنفيذ أو توفير الدعم الإدارى أو وضع الإستراتيجيات لبناء التزامات عملية التغيير. ورابع هذه الأبعاد حسب نموذج إرفن يركز على اختيار مؤشرات المؤسسة التعليمية لتقييم التقدم وآليات جمع المعلومات وإيصالها للأعضاء والمعنيين، وذلك بعد إجراء عمليات التقويم كنمط من أنماط التغذية الراجعة. والبعد الخامس من أبعاد هذه الإستراتيجية يركز على ضرورة صياغة الأهداف وإعادة صياغتها فى ضوء التغذيات الراجعة.
ثانياً: نموذج سواتSwot  
للتحليل البيئى للمؤسسة لقد عرف Asqher & Ganesh (2002)  نموذج Swot  بأنه أداة من الأدوات العلمية التى تستخدم فى تحليل البيئة الداخلية والخارجية لمختلف المؤسسات والمنظمات، ويعتمد نموذج سوات على تحليل جوانب القوة والضعف للبيئة الداخلية والفرص والتهديدات للبيئة الخارجية. والهدف الأساسى لنموذج سوات هو التوصية بالإستراتيجيات التى تؤكد أفضل اتفاق بين البيئة الخارجية والوضع الداخلى للمشروعات المختلفة بهدف التخطيط المستقبلى لكل منظومة رئيسية وفروع منظومات النظام.
ولقد لاحظ الباحث أن كثيراً من الجامعات الخليجية وظفت هذه المنهجية لبناء خططها المستقبلية، وأثمرت هذه الخطط فى بناء رؤى وتصورات فاعلة كانت لها آثار إيجابية على مستوى الجامعات وصناع القرار فى المجتمع. وبنيت هذه الإستراتيجيات فى ضوء مجموعة من القيم أهمها التنافسية والتنوع والانفتاح على العالم، وتحقيق متطلبات مجتمع واقتصاد المعرفة. ومؤسسات التعليم المستمر بكافة أنواعها وأنماطها تستطيع أن تستثمر موجهات هذا النموذج لرسم خططها وإستراتيجياتها المستقبلية.
وتمر عملية التخطيط الإستراتيجى فى إطار هذه المنهجية فى عدة خطوات، وهى صياغة رؤية ورسالة المؤسسة، ووضع الغايات والأهداف الإستراتيجية ومرحلة صياغة الأهداف قصيرة الأجل وصياغة البرامج التنفيذية وتحديد الميزانيات والإجراءات وصياغة البدائل الإستراتجية، ومرحلة الرقابة وتقييم الإستراتيجية، وهناك عوامل رئيسة تساعد على نجاح التخطيط الإستراتيجى أهمها، وجود إدارة عليا تؤمن بالتخطيط الإستراتيجى، وهيكل تنظيمى واضح ومناسب للمؤسسة، وتوفير الإمكانيات المادية والمهارات المناسبة والمتنوعة للقيام بالتخطيط، وتوافر صورة واضحة عن بيئة العمل وإدراك القصور جيداً، والتزام العاملين والإدارة المتوسطة بالتخطيط، وتوفر القناعة الكاملة للمشاركين بالخطة لحجم الفوائد المترتبة على تطبيق الخطة الإستراتيجية (فرشى، 2010، 51).
ثالثاً: الاعتماد الأكاديمى:
يعتبر الاعتماد الأكاديمى منهجية راقية ومعمقة لتقويم الأداء المؤسسى والتعليمى للمؤسسة التعليمية وهو كذلك منهج إستراتيجى يمكن من خلاله المساهمة فى استحداث إصلاحات ورسم إجراءات وبدائل فى الخطة الإستراتيجية للمؤسسة، والاعتماد الأكاديمى ليس حصراً على مؤسسات التعليم العالى والجامعات فحسب، بل يشمل اعتماد مؤسسات التعليم النظامى، وإدارات التعليم ومؤسسات التعليم المستمر بكافة أشكالها وأنواعها. وانتشرت عبر العالم هيئات وطنية ودولية مسئوليتها  الرئيسية النظر فى الطلبات المقدمة للاعتماد الأكاديمى.
وهناك عدة تعريفات للاعتماد الأكاديمى وبشكل عام يُعرّف الاعتماد الأكاديمى على أنه: "مجموعة من الأنشطة والإجراءات المستمرة والمعايير التى تستخدمها هيئة الاعتماد فى فحص وتقييم المؤسسة التعليمية للتحقق من استيفاء الشروط والمقومات الأكاديمية والتنظيمية والإدارية التى تضمن تحقيق رؤية ورسالة وأهداف المؤسسة. وبشكل يتلاءم مع المستويات المتعارف عليها عالمياً (العباد، 1429هـ، 18) وللاعتماد الأكاديمى ثلاثة أنواع رئيسية هى: الاعتماد المؤسسى، والاعتماد البرامجى، والاعتماد المهنى. وتمر مرحلة الاعتماد الأكاديمى بأربعة مراحل رئيسية هى: الدراسة الذاتية، والزيارة الميدانية، والقرار النهائى والتقويم الموضوعى المستمر.
ويقدم الاعتماد الأكاديمى فوائد جمة لجهات مختلفة فالمواطنون يضمنون وجود تقويم خارجى للمؤسسة أو للبرنامج التعليمى، ويعرفهم بالمؤسسات والبرامج الجديدة ونشاطها، وأنها جادة فى تحسين أعمالها بنجاح، كما أنه يدفع إلى تحسين البرامج المتاحة للجمهور، وذلك لأن البرامج المعتمدة تعدل من متطلباتها وفقاً للتغيرات التى تطرأ فى مجال المعرفة والممارسة التطبيقية (Smith, 1990, 8).
ويتفق الباحثون على أهمية الاعتماد الأكاديمى، ويذكرون عدداً كبيراً من فوائده ويمكن تلخيص الجوانب الجيدة فى الاعتماد الأكاديمى التى يجمعون عليها فى النقاط الآتية: (1) بلورة رسالة واضحة (2) تحديد معايير الجودة (3) تبنى منظومة جودة (4) تحديد البرامج الأكاديمية (5) توافر آلية مراجعة داخلية (6) بناء ثقافة التعليم (7) توفير آلية مساءلة (الحكيمى، 1423، 45).
وتستند مؤسسات وهيئات الاعتماد الأكاديمى إلى معايير وضوابط راسخة لإجراء عمليات الاعتماد، ويكاد يكون هناك تقاطعات واسعة بخصوص المعايير التى تطبقها الهيئات الدولية بهذا الشأن. وتعد منظمة (NCATE) المجلس الوطنى لاعتماد برامج وإعداد المعلمين فى الولايات المتحدة من أشهر الهيئات الدولية المعنية بالاعتماد، وحتى عام 2004م منح المجلس الوطنى الاعتراف لحوالي 575 كلية ومؤسسة تربوية فى الولايات المتحدة. ويوظف المجلس ستة معايير رئيسية فى النظر لعملية الاعتماد، وهى أداء الطالب الخريج (معارف الطالب ونظام التقويم فى المؤسسة) وقدرة المؤسسة وإمكاناتها (التربية العملية والخبرات الميدانية)، ومؤهلات أعضاء هيئة التدريس، وأداؤهم وسلطة المؤسسة ومواردها (عبدالله، 2006، 1001 - 104).
إن إعطاء ومنح الاعتماد الأكاديمى لمؤسسة من المؤسسات يعد مؤشراً عالمياً راقياً ينبئ عن كفاءة المؤسسة وجودتها، ويمنح ثقة ومصداقية لأدائها الأكاديمى والمؤسسى، ولهذه الاعتبارات تسعى المؤسسات التربوية لخوض تجربة الاعتماد كخيار إستراتيجى يقصد منه تحسين الجودة والتغيير لتحقيق المصالح العليا للمؤسسة، وللارتقاء بمستوى الإنتاج والمخرجات.
رابعاً: منهجية تقويم الأداء المؤسسى:
يعتبر مفهوم الأداء المؤسسى من المفاهيم الواسعة التى يختلف الناس فى منهجيته وتحليل أبعاده باختلاف آرائهم وإلمامهم بخفاياه، وإدراكهم لتفاصيله فهناك من يرى أن مفهوم الأداء المؤسسى يعنى المنظومة المتكاملة لنتائج أعمال المنظمة فى ضوء تفاعلها مع عناصر بيئتها الداخلية والخارجية (مخيمر وآخرون، 2000، 9) وهناك من يرى أن تقويم الأداء المؤسسى هو عملية تستهدف مقارنة النتائج الفعلية بالنتائج المخططة وتحديد مسبباتها، واتخاذ الإجراءات العلاجية اللازمة والكفيلة بمنع تكرارها مستقبلاً (جبالى، 2006، 12).
وهناك خلط كبير فى الأدبيات بين مفهوم تقويم الأداء المؤسسى والمسائل المرتبطة بضبط الجودة النوعية والاعتماد الأكاديمى والتخطيط الإستراتيجى، وربما أن التداخلات الواسعة بين هذه المفاهيم أدى إلى غموض الرؤية والخلط وعدم تحديد النقاط الفاصلة بين مفاهيم ومعانى هذه المصطلحات. وتشير الأدبيات إلى أن المؤسسة الراغبة فى إجراء تخطيط أو تقويم إستراتيجى لوضعيتها من خلال منظور مقياس الأداء المؤسسى فعليها أن تركز على معايير الأداء الأكاديمى، والتوعية المرتبطة بقدرة المؤسسة على الاستمرار، وقدرتها على النمو، ومؤشرات السيولة، وكفاءة الائتمان ومؤشرات الفعالية والربحية.
ملامح الإستراتيجية العربية للأخذ بموجهات التخطيط والتقويم الإستراتيجى فى مؤسسات التعليم المستمر
ليس الهدف من هذا الجزء من الدراسة رسم إستراتيجية للمسألة تحت الدرس، إنما الهدف منه هو طرح رؤى وملامح إستراتيجية أولية يمكن للحكومات والمنظمات الأخذ بها عند رغبتهم فى بناء مثل هذه الإستراتيجية. وتتخلص الملامح الإستراتيجية التى ينادى بها الباحث  فى هذا الشأن بالمحاور التالية:
أولاً: ضرورة تبنى قرارات إستراتيجية من أعلى مستويات الهرم الإدارى فى وزارات التربية ووزارات التعليم العالى تؤكد على أن التخطيط الإستراتيجى إنما هو خيار إستراتيجى لا مناص من الأخذ به، وتخصيص الموارد المادية والبشرية اللازمة لتنفيذه.
ثانياً: أهمية نشر ثقافة التخطيط والتقويم الإستراتيجى بين العاملين فى المؤسسات التربوية وبالذات صناع القرار والعاملين فى المؤسسات. ولعل أهم هذه الخطوات مسألة بناء الثقة فى أذهان وعقول صناع القرار بأهمية التخطيط الإستراتيجى واعتماده كمنهج للعمل. وتتضمن مسألة نشر الثقافة العناية بإصدار التشريعات والأنظمة واللوائح وإجراء عمليات التدريب المستمر للمسئولين عن التخطيط بكافة مستوياته.
ثالثاً: العمل فى كل دولة من الدول العربية على رسم وصياغة إستراتيجيات عملية ومناسبة تعمل للتحرك فى مجال التعليم المستمر، وتكون هذه الإستراتيجيات بمثابة خطط طريق للتحرك الرأسى والأفقى فى مجال التعليم المستمر.
رابعاً: العمل على إنشاء هيئات وطنية لاعتماد مؤسسات التعليم المستمر فى الدول العربية، وأن تساهم فى إنشاء هذه الهيئات الدول والمنظمات العربية والإسلامية والدولية، ومن المناسب أن يرتبط بهذه الهيئات مراكز للتدريب والتثقيف بخصوص إجراءات وثقافة التخطيط الإستراتيجى.
خامساً: تعزيز أواصر التعاون العربى – العربى، والعربى الدولى فى مجال اعتماد البرامج المرتبطة بالتعليم المستمر.
سادساً: ضرورة تبنى الجامعات العربية لصيغ التعليم عن بعد، والتعليم الإلكترونى والتعليم المستمر، إما على هيئة الجامعات الإلكترونية أو المفتوحة أو الافتراضية.
سابعاً: العمل على إنشاء وحدات داخل كل مؤسسة تعليمية تكون مسئوليتها الأساسية البحث والتطوير، ومتابعة شئون الجودة والاعتماد الأكاديمى على أن تزود بخبرات عربية وعالمية.
ثامناً: ضرورة أن تلعب كليات التربية دوراً أساسياً فى اعتماد المؤسسات ذات الصلة بالتعليم النظامى والمستمر، وينبغى أن يكون هناك دور للكليات فى تنمية الوعى والإدراك والخبرات لمنسوبيها بآليات وطرائق التخطيط الإستراتيجى.
تاسعاً: توفير الموارد والإمكانيات اللازمة لإجراء عمليات التخطيط الإستراتيجى، والعمل على توفير قواعد البيانات فى الأجهزة التعليمة ذات الصلة بالتعليم المستمر.
عاشراً: العمل على إنشاء تخصصات وأقسام لدراسة التعليم المستمر كحقل تخصصى مهنى وطرح مسارات تخصصية للراغبين فى دراسة التخطيط الإستراتيجى.
الحادى عشر: تعبئة الجهود الرسمية والشعبية لمواجهة الأخطار الاجتماعية والاقتصادية التى تعرقل مسيرة التعليم المستمر، ومن ذلك أخطار الأمية، وعدم جودة الأنظمة التعليمية، وقصور البحث العلمى، وقصور التدريب المستمر.
الثانى عشر: ضرورة ربط الميزانيات والمخصصات المالية للمؤسسات بتقارير الجودة والاعتماد الأكاديمى تشجيعاً لهذه المؤسسات على الأخذ بالأسباب المؤدية للتمييز والتطوير.
التوصيات
فى إطار الرؤى والتعدادات السابقة يطرح الباحث عددًا من التوصيات الرئيسية اللازمة لتفعيل حركة التعليم المستمر من خلال تبنى موجهات التخطيط الإستراتيجى.
أولاً:     ضرورة تبنى سياسات وتشريعات توضح مكانة التعليم المستمر وأدواره فى إطار المنظومة التربوية فى الدولة، وتعبئة الموارد المالية والبشرية والبنية التحتية اللازمة لتحقيق متطلبات التعليم المستمر.

 
  بريد صديقك الإليكترونى
 إسمك
  بريدك الأليكترونى
 تعليق

موضوعات ذات صلة
المؤتمر الدولى السنوى التاسع
مشكلات تحكيم ومناقشة الرسائل الجامعية واقعها وحلولها المقترحة فى ضوء منهجية الجودة الشاملة
بعض مسئوليات المعلم المهنية فى ضوء النظرية البنائية
ضغوط العمل لدى رئيسات الأقسام التعليمية فى جامعة الأميرة نوره بنت عبد الرحمن
مزيد من الابحاث والدراسات
مقالات
القيم والمستقبل: دعوة للتأمل
أ.د /ضياء الدين زاهر
الإبداع والطريق إلى المستقبل
د. مصرى حنوره
أخر الفيديوهات
مكتبة الوسائط
المجلة
الإصدارات
عن المركز
جميع الحقوق محفوظة © ٢٠١5 المركز العربى للتعليم والتنمية