الابحاث والدراسات
|
|
|
|
|
منتدى عربى للفكر المستقبلى اطار للتأمل
|
|
|
|
|
|
|
05:36 ص
|
|
|
|
|
|
|
|
|
تكاثرت فى العقود القليلة الماضية بشكل متزايد المؤسسات التى يطلق عليها مؤسسات البصيرة أو الحكمة "النظر فى العواقب"، وهى من أكثر الإبداعات الاجتماعية فى عصرنا الحالى، وتضم تلك الفئة من المؤسسات وكالات حكومية، وفرقا أكاديمية، ومنظمات غير حكومية، على أن أكثر هذه المؤسسات أهمية هى تلك المعنية بشكل أساسى بالبحث فى المستقبل ودراسة قضاياه طويلة المدى وإدارتها إدارة استراتيجية.
وقد بلغ هذه المؤسسات المستقبلية وحدها حتى يناير 1998، ما يقرب من 500 مؤسسة موزعة على مختلف بلدان العالم المتقدم والنامى على حد سواء. هذا إلى جانب أنه يكاد لا يوجد فى دول مثل الولايات المتحدة الأمريكية واليابان وفرنسا مؤسسة أو شركة كبيرة أو مجلس أو معهد لا يتضمن تنظيمه وحدة للخدمات التنبؤية والمستقبلية.
ولعل هذا التكاثر السريع فى أعداد هذه المؤسسات يعكس بالضرورة اهتماما بالغا بدراسة مستقبل الإنسان، تلك الدراسة التى طرحت فى أشكال متعددة، وتم تناولها فى مستويات متنوعة: ابستمولوجية، وانطولوجية، وسوسيولوجية، نال كل منها اهتماما عميقا دراسة ومناقشة. وفى محاولة الإنسان- فى مسيرته الطويلة لمعرفة ذاته ومكانه فى الحياة ومصيره ومستقبله، ابتداع أعداد لا تحصى من الأساطير والخرافات والمذاهب والعقائد واليوتوبيات الخيالية، والفرضيات العلمية.
الحاجة إلى دراسة المستقبل:
لقد شهدت الفترة الماضية زيادة ملموسة فى الوعى العالمى بشأن المستقبل، أكثر من أى وقت مضى، بحكم تساقط وتسارع المستجدات والتحديات التى تواجه البشرية فى عصر الثورة التكنولوجية الثالثة، بما تمثله من فرص ومخاطر ومحاذير، وما تطلقه من إمكانات متعاظمة فى المعلوماتية والاتصالات والتكنولوجيات الجديدة والهندسة الوراثية والمنافسات الشرسة، والإبداعات فى توظيف العلم والتكنولوجيا، وتعظيم فى الطاقات البشرية علما وثقافة ومهارة إلى أقصى الحدود. وما تسببه تداعياتها من تقادم فى المعارف والسلع والتقنيات، وتساقط فى وسائل الدعم والحماية (الجات)، وتلوث فى البيئة وندرة فى الموارد..الخ.
لهذا كله اتجهت معظم المجتمعات إلى قبول فكرة الحاجة إلى وجهة نظر طويلة المدى من أجل نتائج عملية وأخلاقية، ولعل مؤتمرات "استوكهولم" للتنمية الاجتماعية، و"قمة الأرض" فى ريودى جانيرو وغيرها خير شاهد على ذلك.
ولقد صار مقبولا منذ نهاية العقد السابع من هذا القرن، عند العامة والخاصة، على السواء القول أن دراسة المستقبل ممكنة بل وضرورية. وتأتى هذه الضرورة من كون دراسة المستقبل تمثل، كما يقرر علماء المستقبليات، حاجة أساسية، واختيارا وطريقة للتفكير.
فكونها "حاجة أساسية"يرجع إلى كوننا نعيش فى عصر التغير المتسارع والمذهل حجما ومعدلا. هذا التغير الذى يكتسح جميع المؤسسات والأفراد محدثا تطورات هائلة مقارنة بما قبلها. والملفت أن هذا التغير عملية تتغذى على ذاتها، فكل تغير يقود إلى تغيرات أكثر، مما يسبب العديد من المشكلات والأزمات الفردية والمجتمعية والعالمية وأصبحت المؤسسات المجتمعية التقليدية إزاء هذا التغير الأسى ( بتعبير ديريك دى سولا بربس) غير قادرة على أخذ المبادرات الإيجابية التى تجعلها قادرة على التعامل مع التغير ومتراتباته المعقدة، ومتزايدة التعقيد، وذلك بسبب ارث الماضى وتراكماته السلبية على قدرة هذه المؤسسات على أخذ المبادرات. فمغذو القرارات وراسمو السياسات نادرا ما يأخذون بعين الاعتبار النظر إلى المستقبل فى مداه الطويل، ومتطلباته فى أفعالهم، أو عدم أفعالهم، وقراراتهم، كما لا يلتفتون إلى الطبيعة البيئية والمشكلات المجتمعية، فهناك تشابكات وتقاطعات بين كافة قطاعات المجتمع، وبينها وبين ما يحدث خارجه. والأكثر خطورة هو أن هؤلاء يفترضون أن كل الحلول امتداد وتقليد للماضى، وهم بذلك يعادون التقدم ويغلقون على المجتمع باب الإبداع. ومن هنا تظهر "الحاجة" إلى التوقع المستقبلى المسبق لفهم تأثير القرارات الحالية على مختلف البيئات فى المستقبل. فهناك العديد من القرارات التى تؤخذ اليوم وسوف تنفذ فى الغد، والتى سوف يكون لها تأثير على عالم آخذ فى التغير، لا يلاحظ تغيره إلا قليلا.
كما أن دراسة المستقبل تعبير عن "اختيار" يجب على كل فرد أو مجتمع تبنيه فى الحاضر. والمهم تبنى اختيار مات ، سواء من أجل التفكير فى المستقبل أم لا، سواء من أجل التفكير فى عواقب أفعالنا فى المستقبل، وكذلك من أجل التفكير فى تأثير وجهة نظرنا عن المستقبل فى أفعالنا الراهنة، أو من أجل التفكير فى الحاضر فقط.
ولا تتوقف دواعى دراسة المستقبل عند مجرد كونها حاجة واختيار بل تمتد إلى كونها "طريقة لبناء تفكيرنا وعقولنا"، وطريقة لصياغة مفاهيمنا وأفعالنا الحياتية بل وقراراتنا كلها. فهناك اتفاق على كون الدراسات والبحوث المستقبلية طريقة مغايرة للتفكير فى المجتمع والعالم من حولنا، وفى علاقة المجتمع بالطبيعة. كما أن طريقة التفكير هذه تقودنا إلى إمكانية تعليم أنفسنا وتعليم الآخرين فيما يتعلق بالمستقبل واتجاهاته، فالمستقبل جزء من حياتنا، لذا، فمن أجله وفيما يتعلق به لابد لنا من تعلم هذه الطريقة التى لا تتوقف عند حد معاونة أبنائنا على مواجهة عالم أكثر سرعة وتداخلا مما هول عليه الحال الآن، بل أيضا لكونها أكثر أهمية للكبار كى يتعلموا أن يتخذوا القرارات وفقا للرؤية المستقبلية، فليس المهم هو القدرة على التنبؤ بأحداث معينة، ولكن الأهم هو القدرة على الإشارة إلى المسارات البديلة للمستقبل، وهذا هو صلب التحول الأساسى الحادث الآن فى مفهومنا عن دراسة المستقبل.
ومع تعاظم الإجماع على أهمية دراسة المستقبل زادت فرص المؤسسات المستقبلية ومؤسسات البصيرة فى إمكانية دراسة هذا المستقبل عبر ما عرف بالدراسات المستقبلية أو بحوث المستقبليات، أو ما سمى تجاوزا بعلم المستقبل.
وهناك مؤشرات أخرى تشير بدرجات متفاوتة إلى محاولة تكنولوجية أو اجتماعية أو هما معا، لرسم صور المستقبل تمهيدا للسيطرة عليه مثل: التنبؤ المشروط، والتنبؤ التخطيطى، وبحوث السياسات.
فكما هو واضح من التسميات تحولت الدراسات المستقبلية (وهى أكثر التسميات ارتباطا بما نقصد) من مجرد ميدان لاختصاص الكهنة والسحرة والحالمين، أو مجال لانطلاق الخيال إلى آفاق ذاتية بحتة، أو من مجرد تفسير غيبى للشعر الغامض الذى تلقيه كاهنة معبد دلفى العتيق والمصحوب بالدخان المتصاعد من مذابح للقرابين من هذا كله الى مجموعة دراسات تعتمد على منهجيات وتقنيات علمية بالغة الدقة والتعقيد، الأمر الذى أرتفع بها قريبا من مقصورة العلوم المهنية، فالبواعث الكامنة وراء كل منها مشتركة تقريبا يجمعها الفهم والتنبؤ والتحكم.
المستقبلية بين الخطية ومروحة الاختيارات:
ومع نهايات السبعينات اكتملت ملامح المستقبلية وأخذت مكانتها على التأثير فى رسم السياسات والاستراتيجيات المحلية والإقليمية والعالمية. وبدأت تتحول من مجرد كونها إسقاطات خطية( التى تمد الماضى فى المستقبل فتشكله فى إطار حتمى)، إلى التأكيد على مفهوم المستقبلات البديلة الذى يتحرر قليلا من الماضى ليسهم فى صياغة أكثر من مستقبل ممكن ويكشف عن إمكانية أن المستقبل يمكن ابتكاره أو على الأقل التأثير فيه. ثم انتقلت الدراسات المستقبلية نقلة نوعية جعلتها ترتبط بمفهوم التأثير المتقاطع للمستقبلات البديلة، والتى أصبحت بمقتضاه تلك المستقبلات متفاعلة مع بعضها البعض وفقا لنموذج معقد يتم من خلاله اتخاذ القرارات المختلفة. ثم كان التحول النوعى الأخير الذى أصبحت اتجاهات البحوث المستقبلية تقوم على محاولة التحكم فى المستقبل وتغييره، عن طريق ابتداع أشكال من المستقبلات "الممكنة" وتحويلها إلى مستقبلات "محتملة" وتطويرها إلى مستقبلات "مرغوبة" يمكن التخطيط "لتحقيقها" بأشكال متعددة. ولعل توفلر أول من طرح هذا التحول الأخير حينما قرر أن المجتمع لا يواجه فقط بمتوالية من المستقبلات المحتملة، بل أيضا بتصنيفه من المستقبلات الممكنة، ويتضارب بين المستقبلات المفضلة. وقيادة التغير هى الاجتهاد فى تحويل محتملات معينة إلى ممكنات سعيا على متفضلات متفق عليها. وإشارة إلى أن تحديد المحتمل يحتاج إلى "علم" مستقبلى، وتوصيف الممكن يحتاج إلى "فن" مستقبلى، وتوضيح المضل يحتاج إلى "سياسة" مستقبلية. ويمكننا توضيح هذا الجهد المضاعف فى استشراف المستقبل وتخطيطه بصريا، ويصبح على عالم المستقبليات إذن أن يضع سياسة على أساس التعرف على البدائل والمسالك الممكنة والمرغوبة من بين البدائل المحتملة وتحديد المفضلات وأي منها جدير بالمعقولية.
وقد تبلورت حركة الدراسات المستقبلية خلال العقد الأخير على نحو يجعلها تميل إلى تحديد أهداف مستقبلية(أسلوب يوتوبى)، ولكن مع البحث فى نفس الوقت عن مؤشرات فى الماضى وفى الحاضر، خاصة لتحقق هذه الأهداف من عدمه، (أسلوب استقرائى) ويسمى هذا الأسلوب المركب بالرؤية الاستراتيجية التى نجد ملامحها عند ماسينى ومارا وكثيرين.
وبهذا الشكل أصبحت الدراسات المستقبلية وسيلة للتعرف على سياسات تؤخذ الآن على قرارات تتخذ الآن تأثرا بهذه الصورة. فنحن لا نرسم صورة للمستقبل ولكن نتصوره و نتخيله لإعطائنا القدرة على الاختيار بين البدائل الآن.
منتدى عربى للفكر المستقبلى : الدواعى والإمكانية
لعل أول ما ينبغى إقراره هنا، ونحن نراجع الجهد المستقبلى العالمى وإنجازاته ونتابع خريطته خلال السنوات الأخيرة من القرن العشرين، هو التأكيد على أن استثمارنا كعرب للفرص المتاحة وتحولنا فى تدبر العواقب والمخاطر، فى أسوأ حالاته.
ومن هنا تصبح فكرة تأسيس مؤسسة غير حكومية متميزة غير ربحية تعمل كهيئة استشارية فى مجالات دراسات المستقبل، وتعظم دور القطاعات الرشيدة والحكيمة فى المجتمع العربى وتمتزج فيها الآراء والأفكار، وتمثل المصالح القومية، وتقوم على فلسفة الحوار والتآلف من أجل ترسيخ ثقافة مستقبلية ورؤى عربية موحدة والاقتراب العلمى الهادئ من القضايا الكبرى والاستراتيجية، مسألة بالغة الأهمية. ويمكن أن نطلق على هذه المؤسسة "المنتدى العربى للفكر المستقبلى ". ويقع على عاتق المشاركين فى هذا المنتدى مسؤولية أدبية أمام الأجيال القادمة، فهو سيعمل كجرس إنذار مبكر لتفادى المخاطر والتحديات والتعامل معها قبل أن تنزل كالكارثة على رؤوس الأجيال القادمة، ويعمل فى نفس الوقت على الاستعداد لهذه المخاطر، واستثمار الفرص المستقبلية المتوقعة. كما يصبح هذا المنتدى معنيا بتأصيل القيم التى نود أن نورثها لأبنائنا وأحفادنا. وبالتالى فان هذا المنتدى يمكن أن يكون بمثابة "شهادة تأمين" لمجتمعاتنا العربية ولأطفالنا للتخفيف من المخاطر والتحديات المتوقعة والاستعداد لتعظيم الفرص وحسن استثمارها مع توظيف فاعل للثوابت والمتغيرات المحلية والقومية والعالمية.
وقد تثار تساؤلات حول الصيغة التنظيمية للمنتدى والإجابات كثيرة، إلا أن المهم عندنا هو ألا يكون حكوميا أو بيروقراطيا، وأن يضم الطاقات البشرية المفكرة والشابة المعنية بالمستقبل والقادرة على استشراف آفاقه والمتدربة على التخطيط لبدائله، والساعية إلى نشر قيم الأصالة والمعاصرة فى آن واحد. أما الصيغ التنظيمية فمسألة تحتاج لمقال آخر.
فان ما نتصوره هنا هو أن وظائف هذا المنتدى يمكن بلورتها على أساس كونه:
-
جبهة للصمود القومى: وبمعنى آخر أن يكون هذا المنتدى مشروع الأمل الصامد، فمهما كانت أسس التشاؤم العربى على المدى القصير، فلابد أن المنتدى سيكشف لنا عن آفاق أوسع وأقوى للتفاؤل على المدى المتوسط والطويل، لأن فى مقدمة دواعى اليأس والإحباط لدينا كعرب غياب رؤية موحدة لمستقبلنا على كافة الأصعدة، وغياب الإجماع بيننا حول المجتمع الذى نريده والإنسان الذى نقصده.
وهذا وحده كفيل بأن يقودنا للفوضى. لذا فالبحث عن رؤية موحدة، ووضع خطوط عريضة لنموذج تنموى مستقبلى فاعل خليق بغرس أسس الأمل وبالتالى التصدى لكافة قوى اليأس والقهر الخارجى والداخلى. والوقوف أمام كافة صور الانهيار الاقتصادى والاضطراب السياسى، وتدهور الأوضاع الاجتماعية والتعليمية والصحية..الخ.
كما أن المنتدى يصبح معنيا فى هذا الصدد بتعميق الأسس العقلانية فى المجتمع العربى، من حيث تعميق أسس الإنجاز والأداء، وكذلك الأسس العلمية والمنهجية وتوضيح المعوقات التى تواجه تحقيق الرؤية العربية الموحدة، ولمواجهة المشاريع الأجنبية المفروضة علينا من الخصوم والأعداء والتى تحاول تجديد استعمارنا ولكن عبر السيطرة على مستقبلنا والهيمنة على أفكارنا وإفساد معتقداتنا وقناعاتنا وتوجهاتنا وتراثنا. من هنا تتجلى أهمية الدور الحساس للمنتدى فى تحمل مسئولية الصمود أمام قوى التردى والتخلف الداخلية والخارجية، وفى الوقت نفسه تدعيم أسس التطور وتأمين المعطيات الأساسية التى لابد منها للوعى الوطنى والقومى المستنير والمستقبلى.
-
مؤسسة للبحث العلمى: فمن حيث كونه معنيا أساسا بالبحث عن المعرفة المستقبلية، لذا، فيجب أن يتجه إلى تعزيز وإبداع قدرة مستقبلية تكون قادرة على القيام بإجراء بحوث فاعلة فى مجالها وذلك عبر شبكة مركزية للبحث المستقبلى العربى الجماعى، تتصل بصيغ وقنوات فعالة بشبكات بحث وطنية شرعية فى الأقطار العربية، بما يعمل على رفع قدرة البحث المستقبلى العربى. كما يمكن أن يعمل كمجمع لكافة الأشغال البحثية المستقبلية المتناثرة داخل القطر الواحد لتعظيم فوائدها، بتوسيع وتسريع مشاركة المنظمات الحكومية وغير الحكومية والأهلية، بالإضافة إلى المعاهد والجامعات والأفراد غير المتواجدين بشكل مباشر فى البحث المستقبلى، كما يوطد الصلات البحثية والفكرية معهم عبر نشاطات بحثية وطنية وقومية متشابهة ومشاريع بحثية تنافس القضايا العربية الاستراتيجية وتسعى لتطوير بحث علمى مستقبلى أكثر ملاءمة للبيئة العربية وأكثر استقلالية.
ولا يجب أن يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يجب أن يتضمن النشاط البحثى للمنتدى، نشاطات موازية كإجراء الحلقات والسيمنارات البحثية لمناقشة القضايا البحثية الهامة كأولويات البحوث الوطنية لتوضيحها لمتخذى القرارات الوطنية والقومية، وتقديم النصح بخصوص المقترحات والنتائج البحثية. ويرتبط بهذا كله قيام المنتدى بتأسيس برامج تدريبية خاصة بالبحث المستقبلى وتقنياته بغية الارتقاء بقدرات الكوادر البشرية العاملة فى مجالات المستقبل، بما يجعلها أكثر قدرة على المساهمة الفاعلة فى حركة البحث والفكر المستقبلى والارتقاء بمستواه، وربط نتائجه بواقع المستقبل العربى.
-
مصنع للأفكار المساندة لاتخاذ القرار الإستراتيجي: فالمنتدى بحكم انتسابه إلى نوعية من المؤسسات التى تتبصر فى عواقب الأمور بحكمة وبصيرة، فانه سيسعى لمناقشة تساؤلات "حرجة" نادرا ما يتم التعامل معها صراحة داخل المؤسسات العادية البيروقراطية، وستعتمد هذه المناقشة على طرق مختلفة فى التفكير والحوار تقوم على الحرية والخيال والمجاوزة للقيود الزمنية والسياسية والمالية وغيرها. كاستخدام تقنيات العصف الذهنى، واجتماع الخبراء، وتحديد الأدوار والسيناريوهات وغيرها من الأساليب التى تطلق العنان لخيال المشاركين وترتفع بقدراتهم على التفكير الخلاق، الأمر الذى يساعد على توفر حصيلة من الأفكار غير التقليدية لمسائل وقضايا استراتيجية كبرى، مثل البيئة والطاقة والمياه والصراع الحضارى مع الصهاينة، والطفولة، والبطالة، وعواقب العولمة والجات، والأمن الداخلى والخارجى، والقيم الوافدة، والتسلح، والتصحر، والتكنولوجيات الجديدة، والمعلوماتية.. الخ.
-
المستقبل قبل عقود خير شاهد على نجاحها فى اكتشاف المستقبل وبدائله والتعامل المبكر مع مخاطره واستثمار فرصة، ونقل الأفكار اليوتوبية إلى الواقع، كما نجحت من ناحية ثانية فى تأكيد التعاون بين كل من المهندسين والشعراء والطبيعيين والمؤرخين والسياسيين واللغويين والمربين والفلاسفة والفنانين والأدباء والعلماء وغيرهم.
-
فالمنتدى إذن سيؤمن الأخطار إلى جانب المعلومات اللازمة لاتخاذ القرارات. صناع القرار العرب نادرا ما يعطون الوقت الكافى لقراءة التقارير ولا يستفيدون من النتائج عند اتخاذهم للقرارات إلا إذا كانت مدعومة بقرارات متخذة سابقا على المستوى السياسى، فان عرض الأفكار التى سوف يقدمها المنتدى سيكون مبسطا بالشكل الذى يتيح لصناع القرار التغلب على النقص الواضح فى قدراتهم المستقبلية، بتيسير دراسة هذه الأفكار والمعلومات والإفادة منها عند صياغة قراراتهم الحالية ودعم وترشيد قراراتهم المستقبلية. وبالتالى فسوف يساعد المنتدى صناع القرار على القيادة الفاعلة للآخرين والسيطرة الكاملة على الأحداث والتأثير فيها بدلا من ترك الأحداث تتحرك بعيداً عنهم. وبالتالى يعظم المنتدى من نتائج البحوث المستقبلية ودراساتها ويقلل من حجم الشكوك حول فوائدها المرجوة.
-
بوتقة لصهر الثقافيين والتعاون بين المعارف: نتصور أن المنتدى سيعمل على تجسير الفجوة بين الثقافة العلمية والثقافة الأدبية أو ما يطلق عليه الثقافيين بتعبير "سنو"، وبالتالى يتيح فرص أعمق وأعظم للتعاون بين التخصصات والمعارف الأنانية. فلطالما توقع العلماء والأكاديميون العرب داخل أنظمة وتخصصات علمية وأكاديمية ضيقة، اعتادوا عليها كنوع من التأمين مما جعلهم عاجزين عن تجاوز آفاق هذه التخصصات أو التوصل عبرها، فأصبحت لدينا جزر منعزلة وهزيلة ومتحاربة فى بحر متلاطم الأمواج، تعتمد فى تحليل المسائل والقضايا على وجهات نظر فنية منفصلة عن غيرها تتضاءل قيمتها مهما عظمت، كما تتراجع قدرتها على التنبؤ أو التخطيط المسبق لمجالات التخصص ولقطاعات المجتمع وللحياة وللحضارة بوجه عام. الأمر الذى يؤدى إلى التفاقم المستمر فى المشكلات خاصة الكبرى منها. هذا فى الوقت الذى تشهد فيه النظم العلمية فى العالم التوجه نحو التخصصات البينية والتقاطعية وعبر التخصصية، والتى تمثل رؤية أكثر عمقا واتساعا، وتسمح بالتعامل الكفء مع التعقيدات المتنامية التى أصبح من الصعب شرحها من منطلق أدوات مجال أكاديمى واحد، كما هو الوضع الراهن فى معظم الأحوال، كما تتيح لصناع القرار على كافة المستويات تجاوز استخدام العقلية الساخنة المتحاربة فى معالجة المسائل والقضايا الملحة والاستراتيجية، وكسر الحواجز بين الباحثين الفرادى وتسمح بتبادل الأفكار ووجهات النظر بينهم. فالمنتدى يسهل تلاقى الأفكار من كافة التخصصات ويخصبها بالرؤية القومية، كما يساعد على تجسير الفجوة بين صناع القرار السياسى والمثقفين والباحثين، والممارسين من ناحية ثانية، فيقتربون من بعضهم البعض من خلال حواراتهم ودراساتهم المستمرة.
-
مركز لنشر الوعى المستقبلى: فالمنتدى ينبغى أن يلعب دوره فى حقن شرايين المجتمع العربى بأكمله بالوعى المستقبلى، وينشط خلاياه بالأفكار الاستشرافية والمستقبلية، ويبدل عقليته من التقليد إلى النقد والإبداع، ويخلص سلوكه من ردود الأفعال إلى المبادأة والتوقع.
-
ولكى يتحقق ذلك لابد للمنتدى أن يطور قاعدة معلوماتية بخصوص مستقبل العالم بعامة والوطن العربى وأقطاره بخاصة، وهذا لا يتم من دون وجود "بنى تحتية" خاصة بالاتصالات، وتطوير هذه القدرات الاتصالية يحتاج إلى وسائل إعلامية مختارة بشكل جيد من قبيل إصدار وطباعة الكتيبات والرسائل الإعلامية والصحفية والمجلات الدورية، كما ينظم الندوات والمؤتمرات الدورية ونصف السنوية والسنوية لإثارة الاهتمام بالبحث والفكر المستقبلى، وتقديم المعلومات والتقارير الاستراتيجية للقارئ العربى وللمتخصص وأيضا لصانعى السياسات ومتخذى القرارات. فالمننتدى يصبح ملزما بالبحث عن صيغ لتبسيط اللغة غير المفهومة أو التخصصية للتقارير أو الدراسات أو تلك التى لا تتصل مباشرة بتشكيل السياسات وتطبيقها، أو بنشر مقتطفات من التقارير أو نشرها فى صورة ملخصات تنفيذية
أو غيرها.
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|
|