بسم الله الرحمن الرحيم
معالى الأستاذ الدكتور/ عبد الوهاب عزت[1]...
معالى الأستاذ الدكتور/ أحمد عزيز[2]...
معالى الأستاذ الدكتور/ الهلالى الشربينى الهلالى [3]...
سعادة الأستاذ الدكتور/ عصام نجيب الفقهاء[4]...
زملائى الأساتذة من صفوة العلماء والباحثين ....
السادة الحضور الكرام.... الضيوف الأعزاء .........
إنه كان من دواعى سرورى الشخصى أن أشكر جميع الحاضرين كلا باسمه وشخصه، فكلكم أصحاب فضل وقامات علمية وفكرية متميزة، ولكن ضيق الوقت يحول دون ذلك.
يطيب لى أن أرحب بكم فى "أرض الكنانة" تحية محبة وتقدير معربًا عن بالغ سعادتى بوجودكم معنا اليوم فى رحاب جامعة عين شمس لافتتاح فعاليات مؤتمر المركز العربى للتعليم والتنمية، هذا المؤتمر الذى يجمعنا سنويًا. والحق أن عقد هذا المؤتمر للعام العاشر هو دليل الاستمرارية وعلامة الجدية والتراكم ويستحق الإشادة والتقدير.
وإننى أحيى من هذا المنبر ضيوفًا كبارًا آثروا الحضور والمشاركة برغم مشاغلهم الجسام وتجشموا رحلة المجىء إلينا ليشدوا أزرنا ويباركوا جهودنا وفى هذا الصدد فإنى أوجه تحياتى للأخوة والأشقاء من أبناء أمتنا العربية الذين قدموا من فلسطين والسعودية والعراق والأردن والكويت ولبنان وعمان واليمن وبالطبع مصر، ومن أكثر من خمسين هيئة وجامعة ومؤسسة عربية مشاركين معنا فى أعمال هذا المؤتمر الذى خصص لواحدة من أهم هموم المستقبل الذى يلاحقنا.
أود أن أنوه هنا بأن هذا المؤتمر كان ثمرة تعاون واسع بين المركز وجهات عديدة وفى مقدمتها جامعة عين شمس الراعى الأكاديمى للمؤتمر.
السيدات والسادة:
إنه لشرف عظيم يتجدد كل عام أن أحظى بالحديث إليكم فى هذه المناسبة العلمية الهامة والتى نلتقى فيها هذا العام حول قضية من أهم القضايا التنموية تحت عنوان: القدرة التنافسية للجامعات العربية فى مجتمع المعرفة (الواقع واتجاهات المستقبل)، ليبرز الدور الهام "للمعرفة" على نحو أكثر وضوحًا وأعظم تأثيرًا من ذى قبل، حيث تسارعت المعارف فى الآونة الأخيرة بمعدل يفوق نظيره خلال قرون متتالية.. وانعكس ذلك على أداء الدول التى استطاعت أن تلاحق هذا التطور المعرفى المتعاقب الأمر الذى قاد إلى خلق فجوة معرفية وتكنولوجية ورقمية بين الدول التى أنتجت المعرفة واستوعبتها واستخدمتها والدول التى لم تستطع مواكبة ذلك.
ومن هنا فإن على الدول العربية التى أخذت من المعرفة بقدر محدود أو تأخرت فى الإفادة منها.. أن تسعى لتحقيق تقدم فى هذا التوجه نحو "مجتمع متكامل للمعرفة".. والبداية هى عبور هذه الفجوة الرقمية عبر مؤسساتها التعليمية والأكاديمية والتكنولوجية حتى تستطيع المنافسة المتوازنة والمتكافئة بينها وبين الدول المسيطرة على المعرفة.
نعيد ونؤكد الحقيقة الثابتة التى مؤداها هو أن التوجه نحو "مجتمع المعرفة" لن يكون إلا بسد الفجوة المعرفية والتكنولوجية. فى النهاية وليس عند منبعها فقط.. وهو التعليم.. بكامل مراحله..
لذا، فإن تطويره هو بمثابة العمود الفقرى لهذا التوجه نحو مجتمع المعرفة.. فنظم التعليم هى الآلية الأساسية لأى مجتمع لبناء القدرات التنافسية للموارد البشرية المستخدمة للمعرفة اكتسابًا وتطبيقًا ونشرًا وإنتاجًا. وفى هذا السياق تتجلى محورية النهوض بجامعاتنا العربية وتطويرها وإعادة هندسة عملياتها.
والملفت أنه فى ضوء المراجعات المستمرة لجامعاتنا العربية تكشفت إحباطات شديدة ونتائج هزيلة تتحدد فى تراجع مكانتها فى التصنيفات العالمية وفى تقارير التنافسية الدولية بشكل مخجل.
مع أن تلك الجامعات بحكم ما لديها من طاقات وخبرات بشرية علمية وبحثية مدربة وعالية التأهيل وبحكم تقاليدها المستمرة وخصوصية موقعها الحضارى كانت جديرة بأن تعتلى قمة هذا السلم الترتيبى وأن تلعب فى نفس الوقت – دورها الأساسى فى تحسس الاحتياجات والمطالب التنموية لمجتمعاتها وبالتالى تسد الفجوة بينها وبين المجتمعات المتقدمة، وبذا تصبح المحرك الرئيسى لحركة التنمية والتقدم.
على أن المشاهد هو أن حجم الإنجاز البحثى والمعرفى فى أى جامعة عربية أصبح يقل كثيرًا عن الكتلة الحرجة التى تؤهله لاعتلاء مكان الصدارة فى التصانيف الدولية فى نفس الوقت تجعله مؤثرًا بقوة فى بيئته ومجتمعه وقادرًا على التواصل المتنامى مع المستجدات العالمية والإقليمية والمحلية.
ومن الخطورة بمكان ألا نلتفت إلى هذا التراجع المستمر والذى يتكرس بمرور الأيام فى جامعاتنا، حيث تتعرض – فى ظل الظروف الدولية والإقليمية بالغة التعقيد - إلى موجات تفرض عليها تحديات ومخاطر حضارية وكونية، كما تكرس لمزيد من الأزمات التى تهدد ليس فقط مؤسساتنا الجامعية والتعليمية بل أكثر من ذلك تهدد أمننا القومى والوطنى معًا.
وفى هذا الصدد فلا ينبغى أن تتراخى الجامعات بصدد نتائج تلك المعايير ومؤشرات القدرة التنافسية.
وثمة حقيقة أخرى مهمة للغاية هى أن إشكاليات الجامعات العربية مرتبطة بتدنى بل انهيار منظومة التعليم العام وقيمها بشكل جعل هذه المنظومى هى المشكلة وهى الحل فى نفس الوقت لذا، فالأمر يحتم الالتفات لتلك المنظومة والنظر فى سبل تحديثها وتطويرها وتخطيطها على نحو يجعلها رافدًا قويًا لمساندة منظومة التعليم العالى وقدرتها التنافسية المحلية والإقليمية بل والعالمية أيضًا.
خاصة أن السياقات التنموية لمجمل حركة التعليم عامة والعالى خاصة تحتاج لمعونة حقيقية وعاجلة من جانب الجامعات نفسها ومراكز البحث فيها، لأنه فى ضوء التغيرات الاجتماعية الاقتصادية المتسارعة التى أصابت مجتمعاتنا العربية تولدت عنها تغيرات اجتماعية عميقة، شملت تداعياتها كل نواحى النشاط الحياتى المجتمعى، مما يتطلب بالضرورة دورًا نشطًا وفعالاً للعلماء والبحاث للتوصل إلى فهم عميق لطبيعة هذه التداعيات ولاسيما السلبى منها، والعمل على التنبؤ بمساراتها ورسم بدائل للسيطرة عليها وتوجيهها الوجهة التنموية المرجوة، والتى تكون بمقتضاها وسيلة لإثراء حركة البحث العلمى بدلاً من أن تكون معوقًا من أهم معوقاته.
تأسيسًا على ذلك فإن جامعاتنا لا يمكن أن تواجه تلك المخاطر وهذه الأزمات وفق العقلية التقليدية وأساليبها الجامدة بل تتطلب إبداعًا فكريًا جديدًا وابتكارًا مستمرًا ومستدامًا.
وفى هذا الإطار تصبح جامعاتنا فى أشد الحاجة إلى تخطيط إستراتيجى فاعل يحلم بالتغيير إلى آفاق بعيدة.. ويتحرك فى إطار رؤى مستقبلية وإستراتيجية مطروحة ويحدد مخاطرها التى تمثل تهديدًا محتملاً ينبغى تجنبه، وفرصها الممكنة التى ينبغى استثمارها. وأن تستند فى ذلك إلى منهجية عمادها الدراسات العقلانية العميقة التى تساعد على إبداع الوسائل والأدوات لطرح الاحتمالات والممكنات والمفضلات، وتضعنا أمام الإمكانات والقوى والموارد الحقيقية لمؤسساتنا الجامعية بشكل ييسر التكيف مع متطلبات البيئة المتغيرة والموازنة بين البدائل والخيارات المتاحة. ومثل هذه الإدارة الإستراتيجية للمنظومة العربية للجامعات لابد أن تشتق من سياسات تنموية عامة تتجاوز النظرات القطاعية الضيقة.
ونظرًا للأهمية القصوى لهذا المؤتمر، وما ينتظر أن تصدر عنه من توجيهات مرشدة للفكر الجامعى العربى، فقد استجابت لحضور هذا المؤتمر نخبة متميزة من صناع القرار العرب وكبار المفكرين والسياسيين وقيادات الأكاديميين والبحثية والتعليمية على نحو غير مسبوق.
فقد شارك فى هذا المؤتمر أكثر من مائة وخمسين مفكرًا وباحثًا يمثلون عشرة دول عربية وأكثر من ثلاثين جامعة ومؤسسة أكاديمية وتعليمية عربية حكومية وأهلية إلى جانب العديد من الهيئات الإقليمية والمحلية المعنية بقضايا التعليم العالى والعام، ومن هنا فإن هذا المؤتمر يعبر بحق عن وحدة الفكر العربى، كما يعتبر تجسيدًا لتوجهات المجتمع المدنى والمؤسسات الرسمية والجامعات الحكومية وغير الحكومية العربية.
سيداتى سادتى:
أخيرًا إننى آمل أن تتمخض مناقشاتكم وحواراتكم عن الخروج بمبادرة لإعادة اختراع جامعاتنا وإعادة هندستها ضمن "خريطة طريق" لإستراتيجية تنافسية تعمل على تتبع المسارات المرتقبة لجامعاتنا العربية خلال العقد القادم على الأقل بما يتفق مع المعايير العالمية من ناحية والأهم بما يلبى متطلبات التنمية المجتمعية على الأرض العربية من ناحية أخرى.
وإننى أرجو لأعمال مؤتمركم كل النجاح والتوفيق.
وأتوقع أن يشهد مساهمات معتبرة وبناء فى النقاش العام حول هذه الخريطة.. وبما يقود إلى ضخ روح جديدة ودماء جديدة فى شرايين الجامعات العربية، حكومية وخاصة وأهلية ويقينى أن جلسات مؤتمركم ستتناول هذه القضية الأهم ضمن نقاشات مطولة من العلماء الأجلاء وأصحاب الخبرات المتنوعة فى عالمنا العربى.
وإذا نجحنا فى ذلك، فإن هذا المؤتمر يعتبر فرصة مثالية لجهد عربى أكاديمى متكامل من أجل بناء ما خرب وجبر ما انكسر.. بما يقود إلى إعادة إحياء واختراع جامعاتنا من جديد لتنافس بقوة وتمارس أدوارها الموكولة إليها فى خطط التنمية وذلك وفق نماذج مغايرة بمفاهيمها وتصوراتها وبنيتها ووظائفها بما يحقق التميز والارتقاء ودعمها فى قيادة إعادة تشكيل المستقبل العربى المبتغى.
وهذا يقتضى منا أن نسعى لإعادة هندسة جامعاتنا العربية على نحو يجعلها قادرة ليس فقط على التصدى للتغيير والمستجدات، بل أيضًا لقيادة وتوظيف هذا التغير وتلك المستجدات لصالح قضايا التنمية فى المنطقة ولصالح شعوبها الأمر الذى سيجعل مؤسساتنا الجامعية والبحثية تتقدم بمعدلات أعلى لتحرز مكانات عالية فى سلم التصنيفات العالمية والمقاييس الدولية.
وفى الختام أتوجه بجزيل الشكر لكل من قدم يد المعاونة ودعم هذا المؤتمر، وشارك فى إثراء أعماله لذا فإننى أهدى أعمال هذا المؤتمر الهام إلى صانعى السياسات التنموية والجامعية والتعليمية عله يثريها ويدعمها.
ولقد بدأت كلمتى "بسم الله الرحمن الرحيم" ولتكن كذلك آخر دعوانا أن "الحمد لله رب العالمين".
ونتمنى لضيوفنا الكرام إقامة طيبة وعودة حميدة.
والله الموفق والمستعان،،،
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته...
1 رئيس جامعة عين شمس والراعى الأكاديمى المؤتمر.
2 رئيس جامعة سوهاج.
2 وزير التربية والتعليم المصرى الأسبق.
3 الأمين العام المساعد للشئون العلمية للشبكة العربية وعميد كلية العلوم الإدارية والمالية – جامعة فيلادلفيا (نائب رئيس المؤتمر).